الناتو يرفع إنفاقه الدفاعي إلى مستويات تاريخية في مواجهة التمدد الروسي


الناتو يرفع إنفاقه الدفاعي إلى مستويات تاريخية في مواجهة التمدد الروسي صورة - م.ع.ن
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

        في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تستعد دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لرفع إنفاقها الدفاعي إلى 1.6 تريليون دولار خلال عام 2025، وفق بيانات رسمية صادرة عن الحلف، وتشكل هذه الزيادة الضخمة واحدة من أكبر موجات الطلب العسكري في العقود الأخيرة، ما يفتح أبوابا واسعة أمام الاستثمارات في الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا والفضاء.

 

هذا التحول الدفاعي يوصف بالتاريخي، إذ باتت 31 دولة من أصل 32 عضوا على وشك تحقيق أو تجاوز معيار الإنفاق الدفاعي للحلف البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بثلاث دول فقط في عام 2014. ويعكس هذا التوجه كيف أعادت التوترات الجيوسياسية رسم أولويات الميزانيات والاستراتيجيات الاقتصادية والدفاعية عالميًا.

 

تصاعدت المخاوف من التوسع الروسي، لا سيما بعد تسجيل خروقات متكررة للمجال الجوي الأوروبي، ما دفع الناتو إلى البحث في ردود أكثر صرامة تصل إلى حد إسقاط الطائرات أو المسيّرات الروسية. وسجل الإنفاق الدفاعي في أوروبا وكندا تسارعا لافتا، مع زيادة متوقعة قدرها 15.9% في 2025 بعد قفزة بلغت 18.6% في 2024، في حين تتصدر بولندا القائمة بنسبة 4.5% من الناتج المحلي، وتحتفظ الولايات المتحدة بالمركز الثاني بنسبة 3.22%.

 

وفي خطوة استراتيجية مهمة، اتفق الحلف في يونيو الماضي على مضاعفة هدف الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 5% من الناتج المحلي بحلول 2035، استجابة للتهديد الروسي طويل الأمد والتحديات العالمية المستمرة، بما في ذلك الإرهاب، مع ضغوط أمريكية لدفع الحلفاء إلى تحمل نصيب أكبر من عبء الدفاع المشترك.

 

تأسس حلف شمال الأطلسي عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، ويضم اليوم 32 دولة تمتد من أميركا الشمالية إلى أوروبا. ويستند إلى مبدأ أساسي نصه: "الاعتداء على دولة عضو يعد اعتداء على الجميع"  المعروف بالمادة الخامسة، التي فعلت مرة واحدة فقط عقب هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة.

 

لا يقتصر دور الحلف على أعضائه فقط، بل يرتبط بشراكات مع 35 دولة وجهة دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، لمواجهة تحديات عابرة للحدود مثل الإرهاب والهجمات السيبرانية والكوارث الطبيعية. ويعتمد الناتو في قراراته على الإجماع بين الأعضاء، حيث تعقد الاجتماعات على مستوى السفراء والقادة لتحديد السياسات والخطط، فيما تدار العمليات العسكرية عبر قيادتين رئيسيتين: الأولى في بلجيكا للمهمات الميدانية، والثانية في الولايات المتحدة لتطوير التدريب والمفاهيم الجديدة.

 

في عام 2014، بلغ إجمالي الإنفاق الدفاعي لدول الناتو نحو 943.3 مليار دولار، ولم تتمكن سوى قلة قليلة من تحقيق الهدف المحدد بـ2% من الناتج المحلي.

 لكن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، تغير المشهد جذريا، فقفزت ميزانيات الدفاع في أوروبا وكندا بنسبة 18.6% عام 2024، فيما التزمت 18 دولة بتحقيق نسبة الـ2%. وبحلول 2025، يتوقع أن يرتفع العدد إلى 31 دولة، مع استمرار معدل النمو بنسبة 15.9%.

 

الدول الأكثر التزاما بالإنفاق الدفاعي تشمل:

 

بولندا: 4.5% من الناتج المحلي، مع استثمارات ضخمة في الدبابات وأنظمة الدفاع الصاروخي.

 

الولايات المتحدة: 3.22%، موجهة إلى المقاتلات والأقمار الصناعية والمشاريع الاستراتيجية.

 

المملكة المتحدة: 2.4%، مع تعزيز الأسطول البحري والقدرات النووية.

 

تركيا: 2.3%، لتطوير الطائرات المسيّرة واستغلال موقعها الجيوسياسي.

 

فرنسا، إيطاليا، إسبانيا: تتراوح نسبها بين 2.01% و2.05%.

 

ويصل إجمالي ميزانيات الناتو إلى نحو 1.6 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 56% من الإنفاق العسكري العالمي، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

 

 

و يتعامل الناتو مع الملف الأوكراني بحذر، حيث يدعم كييف عسكريا دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع موسكو، مع تعزيز قواته على الحدود الشرقية في بولندا وإستونيا. وفي سبتمبر ، شهدت الحدود الأوروبية تحركات روسية متكررة، شملت طائرات مسيرة وصواريخ، ما استدعى تفعيل الدفاعات الجوية الأوروبية، في حين أعلنت الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية حول أهداف استراتيجية في الأراضي الروسية.

 

ورغم التوترات، ما زالت قنوات الحوار قائمة بين واشنطن وموسكو، لكن اقتراب المسيرات الروسية من الحدود الأوروبية وتكرار الإنذارات الجوية يضع قدرات الناتو الردعية على المحك يوميا، في معركة مفتوحة على كل الاحتمالات.

اترك تعليقاً