عصابات هايتي تستأنف العنف
صورة - ص.ر.أ.م
أعادت أعمال العنف التي شهدتها هايتي في الأسابيع الأخيرة مشكلة عنف العصابات الإجرامية وانعدام الأمن في هذه الدولة الكاريبية إلى الواجهة. وهي المعضلة التي ترهق البلاد وتقوض الاستقرار والتنمية منذ سنوات.
عاد التوتر إلى منطقة العاصمة بورت أو برنس، في منتصف فبراير الماضي، بدءا بهجمات وعمليات نهب وتخريب متعمدة على المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة، في فصل جديد من فصول العنف المرتبط بعنف العصابات الإجرامية.
واستأنفت العصابات المسلحة أعمالها مع تمديد حظر التجول في المقاطعة الغربية، حيث تقع العاصمة وحيث تسري حالة الطوارئ من 7 مارس الحالي إلى 3 أبريل المقبل.
إن مسلسل الصراع المتواصل بدأ بعد هجوم عصابات إجرامية مسلحة على السجن الوطني في بورت أو برنس، أكبر سجون البلاد، ما سمح بهروب نحو ثلاثة آلاف سجين، بينهم أعضاء وزعماء عصابات مسلحة، وهي عملية دبرها، بحسب وسائل إعلام محلية، تحالف عصابات "فيفا أونسومبل" (العيش معا).
وتلته أعمال عنف وتخريب في عاصمة البلاد والمناطق المجاورة، دفعت ما يزيد عن 15 ألف شخص إلى مغادرة منازلهم هربا من الخطف والسرقة والابتزاز، ليبدأ فصل جديد من صراع لا ينتهي.
إنها أزمة عنف ترجع إلى الصراع المحتدم على السلطة والنفوذ بين الحكومات المتعاقبة والعصابات الإجرامية المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من البلاد. وكان آخر مظاهر هذا الصراع الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء المستقيل حديثا، أرييل هنري، لدفعه إلى مغادرة منصبه مع نهاية الفترة الانتقالية لحكومته في مستهل فبراير المنصرم، علما بأنه تولى منصبه في عام 2021 خلفا لجوفينيل مويس الذي اغتيل على يد مجموعات مسلحة.واتسمت فترة ولاية أرييل هنري، الذي غادر البلاد إلى بورتو ريكو، مباشرة بعد اندلاع موجة العنف الأخيرة، بسطوة كبيرة للعصابات المسلحة، وخاصة في المقاطعة الغربية وغالبية المناطق الريفية والفقيرة. وتركز الصراع على النفوذ بين عصابتين مسلحتين رئيسيتين، هما "جي 9" و"جي بيب"، وتجسد في معارك مسلحة دامية في وسط بورت أو برنس ومناطق أخرى دفع أكثر من 100 ألف إلى الفرار من منازلهم في عام 2023، وفق بيانات منظمات أممية
علما أن نظام حكم فرانسوا دوفالييه، الذي يلقبه الهايتيون بـ"بابا دوك الدكتاتوري"، حكم البلاد لقرابة 29 عاما منذ سنة 1986، ويعتبره الهايتيون أحد الأسباب الرئيسية لتنامي نشاط العصابات المسلحة التي كانت تحرض على العنف وتهدد الأمن لمعارضة هذا النظام.
وهذا العنف دفع رئيس الوزراء أرييل هنري إلى الاستقالة من منصبه، والإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي انتقالي لإدارة البلاد حتى تنظيم انتخابات رئاسية.
وتم اتخاذ هذا القرار غير المسبوق في هايتي خلال اجتماع طارئ عقد في جامايكا بمشاركة ممثلين عن هايتي والمجموعة الكاريبية (كاريكوم) والأمم المتحدة ودول أخرى من بينها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ويجري العمل حاليا على اختيار الأعضاء السبعة للمجلس الانتقالي في هايتي، على الرغم من خلافات بين الأطراف الهايتية بشأن هوية الأحزاب والأطياف السياسية المكونة لهذا المجلس.
ومن بين المهام الرئيسية للمجلس الانتقالي، بعد تشكيله، الاتفاق بشكل ديمقراطي على تعيين رئيس وزراء مؤقت وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية بأسرع وقت ممكن.
وما زال التداول حاليا حول أسماء شخصيات سياسية بارزة في هايتي وجامعيين وحقوقيين وبعض رجال الأعمال المقيمين خارج البلاد.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي شارك في الاجتماع الطارئ بجامايكا، قد أعرب عن "ثقته في جهود الأطراف الهايتية للتوافق لتشكيل المجلس الانتقالي".
وجراء هذه الأزمات المتتالية، حذرت منظمة الأمم المتحدة من "كارثة إنسانية" في هايتي، التي يعاني أكثر من 40 بالمائة من سكانها من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وفي انتظار التوافق المنشود بين أطراف النزاع، أعلنت الأمم المتحدة عن إقامة جسر جوي إنساني بين هايتي وجمهورية الدومينيكان المجاورة لنقل المساعدات، في وقت لا تزال فيه العصابات الإجرامية تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد وتشل كافة المرافق والخدمات، بما فيها المرافق الصحية.