الملكية الفكرية في زمن الذكاء الاصطناعي وما يصاحبها من إشكالات في مجال الابداع الموسيقي


 الملكية الفكرية في زمن الذكاء الاصطناعي وما يصاحبها من إشكالات في مجال الابداع الموسيقي
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها مجال الإنتاج الفني والفكري، بتلاوينه وتعبيراته، مدفوعة بتطور هائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز أهمية حماية الإبداع وتحصينه من ممارسات السطو والقرصنة، التي أضحت تشكل تحديا حقيقيا للملكية الفكرية، بما تضمنه من حماية للحقوق المادية والمعنوية للمبدعين الأصليين، ومحفزا على الإبداع والعطاء بلمسة إنسانية خلاقة.

وبقدر ما يمثله من آلية متقدمة لتطوير الإبداع الفني والفكري، بفضل إمكانياته ذات الصلة بالبحث والتأليف والتجويد، أضحى الذكاء الاصطناعي مطية لتسلق سلم النجاح، انطلاقا من محتوى مستوحى من أعمال محمية بحقوق المؤلف، ليقدم نسخة رديئة من مادة أصلية وأصيلة، تسقطه في خانة "التقليد"، المنافي لمفهوم "الإبداع".

وفي هذا السياق، تبرز الموسيقى، التي أضحت صناعة قائمة بذاتها، كأحد أكثر المجالات الإبداعية حاجة إلى الحماية الفكرية، بالنظر إلى الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيات الحديثة من قدرة على الاستنساخ، تأليفا، ولحنا، وتوظيبا، وأيضا، بالنظر إلى ما تدره هذه الإنتاجات من أرباح طائلة تصل في بعض الأحيان إلى ملايير الدولارات، وهو ما دفع بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية لاختيار موضوع "الملكية الفكرية.. استشعار الموسيقى" كشعار للاحتفاء باليوم العالمي للملكية الفكرية، الذي يصادف 26 أبريل من كل سنة.

ومن خلال هذا الاختيار، تسعى المنظمة إلى تسليط الضوء على الدور المتعاظم للملكية الفكرية في حماية حقوق مؤلفي الموسيقى، ودعم الإبداع الفني، كدعامة أساسية وآلية قانونية لا يقتصر دورها على حماية حقوق المبدعين والمؤلفين، بل للرقي بدورها الجوهري في تحفيز الإبداع الموسيقي كثمرة للحظة إلهام إنساني.

وقالت مديرة المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، دلال محمدي العلوي: إن مجال حماية حقوق المؤلف يواجه تحديات كبيرة في ضوء تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتمثل في صعوبة تحديد من يمتلك حقوق المؤلف للأعمال التي يتم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي، مثل النصوص والموسيقى، إلى جانب التعدي على الحقوق.

وبمقدور الذكاء الاصطناعي توليد محتوى مستوحى من أعمال محمية بحقوق المؤلف، وهو ما يثير تساؤلات حول انتهاك الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين الأصليين، مسجلة أن عمل المكتب يواجه، في هذا الصدد، جملة من الإكراهات المتمثلة في سرعة انتشار وسائل القرصنة الرقمية، وصعوبة مراقبة استغلال المصنفات المحمية على شبكة الأنترنيت من طرف المكتب.

وفي حديث صحفي، أضافت أن هذه الإكراهات تتمثل في نقص الوعي العام باحترام حقوق المؤلف، والتنصل من أداء مستحقات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، من طرف المستغلين للمصنفات الأدبية والفنية المحمية، معتبرة أن مستقبل حماية حقوق المؤلف والملكية الفكرية يتطلب مواجهة التحديات الراهنة بطرق مبتكرة وفعالة، لاسيما مع التطور التكنولوجي، عبر تطوير إطار قانوني شامل لمواكبة التغيرات السريعة، وتعزيز التعاون الدولي.

وبعدما استعرضت بعض مهام المكتب المتمثلة، في تلقي ملفات طلبات انخراط واستخلاص مستحقات حقوق المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة، وتصريحاتهم بمصنفاتهم الأدبية والفنية وأداءاتهم، شددت على ضرورة تعزيز الوعي بأهمية حقوق المؤلف والملكية الفكرية، لاسيما أن هناك فنانين أصحاب حقوق يجهلون أهمية تسجيل أعمالهم، أو الإجراءات الإدارية للقيام بذلك، مسجلة أن المكتب يقوم بشكل دوري بمهمة التوعية في صفوف هذه الفئة.

وأضافت أن المكتب يشجع، أيضا، على الإبداع والابتكار في الموسيقى، مبرزة أنه سيكرم هذه السنة، بمناسبة اليوم العالمي للملكية الفكرية، المبدعة نائلة التازي، مؤسسة ومنتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم، لدورها البارز في تطوير الصناعة الثقافية والموسيقية بالمغرب، ونجاحها في جعل هذه التظاهرة حدثا عالميا يحتفي بالتراث الوطني ويعزز التبادل الفني.

ومن جانبه، سلط الفاعل في مجال الإنتاج السمعي البصري، أمين التازي، الضوء على وضعية استغلال المصنفات بشكل غير مرخص، لافتا إلى أن شركته التي واجهت، غير ما مرة، استغلال أعمالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول أولا التوصل إلى حلول ودية مع المخالفين، قبل أن تلجأ إلى الهيئة المختصة للمنصة من أجل حذف المحتوى.

وأضاف أن المغرب يتوفر على إطار قانوني مهم لحماية حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، وفقا للاتفاقيات الدولية التي انضم إليها، على غرار اتفاقية "بيرن" واتفاقية "تريبس"، التي تساعد على حماية الموسيقيين عبر الحدود.

وعلى الصعيد الدولي، فرض المغرب نفسه كنموذج في مجال حماية الملكية الفكرية، كما يشهد على ذلك التقرير الأخير، الصادر عن مركز سياسة الابتكار العالمي، التابع لغرفة التجارة الأمريكية، والذي كشف عن احتلال المغرب المرتبة الأولى إفريقيا وعربيا في مؤشر الملكية الفكرية، والمرتبة 22 عالميا من بين 55 اقتصادا شملها التقرير.

ووفقا لهذا التقرير، فقد حقق المغرب معدل أداء بلغ 59,21 في المائة متجاوزا بكثير المعدل الإقليمي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط (41.82 في المائة)، علما بأن هذا المؤشر يقيس أداء الدول، من خلال عشرة معايير فرعية، من بينها: حقوق النشر، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والابتكار، والانضمام للمعاهدات الدولية، كما أن هذا التصنيف يستند في تقييمه على تطور التشريعات القانونية الخاصة بالملكية الفكرية في كل بلد.

والأكيد أن هذا التصنيف يشكل حافزا بالنسبة للفاعلين في قطاع الصناعة الموسيقية بالمغرب، لمواصلة العمل من أجل رفع التحديات العديدة في هذا المجال، لاسيما التصدي لمحاولات السطو على إبداعاتهم الموسيقية، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل وضرورة الإلمام بكيفية استثمار هذه التكنولوجيا الحديثة لتحصين ثمرات مواهبهم من القرصنة.

اترك تعليقاً