جنوب إفريقيا لاجئون في رحلة البحث عن الحلم الأمريكي

مشهد أول مجموعة من الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا، "الأفريكانرز"، وهم يستقلون طائرة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بمطار جوهانسبورغ للحصول على وضع اللاجئ في الولايات المتحدة ، أثار حيرة الكثيرين، بعضهم يتعاطف مع مصيرهم الحزين، بينما يغبط آخرون هروبهم.
وذلك بعد أن وقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في فبراير الماضي ، قرارا يهدف
إلى إعادة توطين هؤلاء "اللاجئين" الأفريكانرز "ضحايا التمييز
العنصري الجائر"، في جنوب إفريقيا. ونشر على منصته "تروث سوشيال"
قوله "أي مزارع في جنوب إفريقيا يسعى إلى الفرار من هذا البلد لأسباب أمنية،
سيدعى إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع مسار سريع للحصول على الجنسية".
ويعزى هذا الأمر إلى اعتماد بريتوريا، مؤخرا، قانون مصادرة الأراضي، الذي يرى
العديد من المراقبين أنه يفرض "تمييزا عنصريا جائرا" في حق المزارعين الأفريكانرز
البيض، أحفاد المستوطنين الهولنديين في القرن السابع عشر.
وتعتبر بريتوريا أن التلميح باستهداف الحكومة للأفريكانرز البيض يعد "تشهيرا
لا معنى له"، مستدلة على ذلك بأن الهدف هو تصحيح الأخطاء التي لحقت بالسود في
جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري.
لوضع هذه التطورات المضطربة في سياقها التاريخي بشكل أفضل، من المهم الإشارة إلى
أن التاريخ الحديث لأمة قوس قزح ليس أكثر من قصة صراعات إقليمية، بلغت ذروتها
بعقود من الاستيلاء على الأراضي بدوافع عنصرية
أما رجال الشرطة فيقفون مكتوفي الأيدي في الغالب، بينما تراقب البلدات
مجموعات للدفاع الذاتي، حيث تجمع جثث الضحايا الذين قتلتهم قوات الأمن الخاصة.
وفي الوقت الذي قد ينتظر فيه اللاجئون في كثير من الأحيان سنوات قبل أن تتم معالجة
طلباتهم والموافقة عليها لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة، يبدو أن عملية إعادة
توطين الأفريكانرز قد تم تسريعها إذ لم تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر.
ومن أصل أزيد من ثمانية آلاف طلب من الأفريكانز الراغبين في الحصول على وضع
اللاجئ، حددت الولايات المتحدة مجموعة أولية تضم 100 من الأقلية البيضاء. وحسب
تقارير أمريكية، فإنه من المتوقع إعادة توطين اللاجئين من جنوب إفريقيا في عدة
ولايات، من بينها أيداهو وألاباما وكاليفورنيا وأيوا وميشيغان ومينيسوتا.
حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية "سنواصل في الأشهر المقبلة استقبال المزيد
من اللاجئين الأفارقة ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم في بلدنا العظيم".
ولفهم النزوح الحالي لبعض الفلاحين البيض في جنوب إفريقيا، والذين يرغبون في
اللجوء إلى الولايات المتحدة، من الضروري وضع تجاربهم في السياق العام لتفاقم
الجريمة في جميع أنحاء البلاد. وفي حين أنه لا يمكن لأحد أن يخفف من أزمة ضحايا
العنف، ولا أن يتجاهل معاناة مجتمع بعينه، لا يمكن فصل حالة
"الأفريكانرز" عن المشكلة الوطنية الأوسع نطاقا، المتمثلة في الجريمة،
والتي تؤثر على جميع الفئات المجتمعية.
أي أن الجريمة في جنوب إفريقيا ليست مسألة أبيض وأسود، بل هي مسألة أمن وحاجة ملحة
لمكافحة التفاوتات.
ويكشف السجال الذي أثاره، مؤخرا، اعتماد قانون مصادرة الأراضي عن حجم قضية ملكية
الأراضي، والتي تعد واحدة من أكثر المشاكل حساسية، والتي لم يكن بالإمكان حلها في
جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري. ولا تزال أقلية صغيرة تملك حصة غير متناسبة من
الأراضي الصالحة للزراعة، وهو اختلال تاريخي يستدعي إصلاحا مدروسا.