الذكرى الـ27 لوفاة الملك الحسن الثاني مسيرة ملكية نحو الحداثة والوحدة والتنمية

يخلد الشعب المغربي يوم 2 أكتوبر 2025، الموافق 9 ربيع الثاني 1447 هـ، الذكرى الـ27 لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، ملك عاش فترة حكم طويلة ومليئة بالتحديات، استطاع خلالها أن يضع المغرب على طريق النهضة والحداثة، مع الحفاظ على هويته الوطنية وإرثه الحضاري.
تأتي هذه الذكرى في وقت تستعد فيه المملكة للاحتفال بالذكرى الـ50 للمسيرة الخضراء، ما يجعلها فرصة لاستحضار الإرث التاريخي والسياسي للملك الراحل، واستذكار دوره المحوري في قيادة المغرب نحو العصرنة والتنمية الشاملة.
فقد كان يوم 9 ربيع الثاني 1420 هـ يوما حزينا على قلوب المغاربة، إذ فقدوا ملكا حكيما وقائدا ملهما، قاد بلاده على مدى 38 عاما بحنكة وبعد نظر جعلت من المغرب دولة قوية ومؤثرة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وقد تميزت فترة حكم الملك الحسن الثاني بناء الوطن داخليا وتعزيز دوره عالميا، حيث استطاع، بفضل رؤيته الثاقبة، تجاوز أصعب الأزمات التي عرفها المغرب والعالم خلال القرن الماضي. وكان للمغرب تحت قيادته مكانة متميزة بين الدول، بفضل سياسات الدولة الرشيدة، ورؤية متوازنة جمعت بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية.
على الصعيد الوطني، نجح الملك الراحل في تحقيق الوحدة الترابية للمملكة بأسلوب سلمي، مؤكدًا قدرة المغرب على تجاوز التحديات الإقليمية بروية وبراعة. كما وضع أسس دولة المؤسسات والقانون والحق، ما أهل المملكة للعب دور فاعل على الساحة الدولية والمساهمة في جهود السلام والأمن العالميين.
أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فقد كان للملك الحسن الثاني رؤية تنموية عميقة، حيث أطلق إصلاحات كبيرة وأوراشا شاملة شملت مختلف القطاعات، مما ساهم في جعل المغرب نموذجا للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة.
كما عزز المؤسسات الديمقراطية، ووسع نطاق الحريات العامة، وكرس حقوق الإنسان، وشجع على الإبداع في المجالات الثقافية والفنية والرياضية.
وفي الجانب الديني والروحي، كان الملك الراحل رمزا دينيا وقائدا روحانيا، مستندا إلى نسبه الشريف من البيت العلوي، ومطلعا على أصول الدين الإسلامي وعلومه.
وقد ساهم في إحياء السنن الحسنية وتشجيع الحوار بين المذاهب الإسلامية، بالإضافة إلى دعمه لبناء المساجد في مختلف أنحاء المغرب وإفريقيا، من بينها مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي يعد معلما دينيا شامخا وفكرة راقية تجسد رؤية ملكية متقدمة في مجال العمارة الدينية.
وعالميا، تميز الملك الحسن الثاني بدفاعه عن الحوار كوسيلة لحل النزاعات وتحقيق السلام والأمن. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في دوره الفاعل في النزاع العربي-الإسرائيلي، حيث سعى لدعم القضية الفلسطينية وتعزيز فرص السلام في الشرق الأوسط، من خلال المبادرات الدبلوماسية واستضافة القمم العربية، وعلى رأسها القمة العربية بالرباط عام 1974.
كما كانت مساهماته القارية بارزة في دعم توحيد إفريقيا وتحقيق استقلالها السياسي، إذ ساهم في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، التي تحولت لاحقا إلى الاتحاد الإفريقي. وقد كرمت إثيوبيا الملك الحسن الثاني خلال انعقاد أول قمة إفريقية للشباب، تقديرًا لجهوده في توحيد القارة وتعزيز قيم التعاون بين الدول الإفريقية.
ولم يقتصر اهتمام الملك على القضايا الدولية، بل امتد إلى تعزيز التعاون المغاربي، حيث كان له دور بارز في بناء أواصر الأخوة والتعاون بين دول المغرب العربي، سعيًا لتحقيق التقدم والرفاهية لشعوب المنطقة، والحفاظ على السلام المبني على العدالة واحترام السيادة ووحدة الأراضي الوطنية.
وبينما يخلد المغاربة اليوم الذكرى الـ27 لوفاة الملك الحسن الثاني، فإنهم يفتخرون بما يحققه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، من جهود دؤوبة على صعيد تطوير المغرب ووضعه على سكة القرن الحادي والعشرين، من خلال عصرنة البنية التحتية، إطلاق الأوراش الكبرى، وتعزيز مغربية الصحراء، وجعلها محركًا للتنمية الإقليمية والقارية.
إن ذكرى الملك الحسن الثاني تظل مناسبة لتقدير مسيرة ملكية استثنائية، جمعت بين الحكمة السياسية، والحس التنموي، والالتزام الديني، والقدرة على توحيد الشعب المغربي حول رؤى مشتركة، ما جعل من المغرب دولة عصرية صاعدة ومؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي.