فاس أرض الحوار تحاور أبناءها
فاس: أرض الحوار تحاور أبناءها:
إنه حوار افتراضي غير عادي، أسلوب جديد يتحاور فيه الماضي مع الحاضر لرسم معالم المستقبل، يحاور الواقع المعيش تراث المدينة الخالد حيث يسأل الأبناء عما يستشفون من الأمجاد لاستلهام أضواء للطريق نحو المستقبل، على أسس الحفاظ على الأجود من الماضي، لبناء المستقبل، اعتمادا على الجذور التاريخية، وبعيدا عن أي ارتجال يعرقل التأقلم والتكامل بين الفكر التقليدي والفكر الحديث عبر مقومات النهوض بالمدينة الأثرية / التاريخية إلى مصاف المدن الحديثة / الذكية.
فاس كأول عاصمة مغربية شاهدة على بناء الدولة، مساهمة في توسيعها وتطويرها، تفتح صدرها لحوار افتراضي مع أبنائها، ومن خلالهم مع كل المغاربة، رغم أنه قد يبدو ضربا من الخيال، ففي ملامسته لواقع الحال يجعله نابضا بالمصداقية، مستلهما، منتقدا، ومقترحا، وكأنه امتزاج الماضي بالحاضر وبالمستقبل.
يناقش السلبيات ويقيم الإيجابيات، ويؤسس للمستقبليات، قد لا يكون شاملا كافيا، ولكنه يزيح الحواجز لرؤية بواطن الأمور، انطلاقا مما كانت عليه في الماضي، وما هي عليه في الحاض، وما ينبغي لها في القادم قريبه وبعيده، أي وبلغة العصر: تلافي أخطاء الماضي لتصحيح حياة الحاضر والتخطيط السليم للمستقبل.
إنه ليس حوارا مع التراب والحجر، بل مع ذاكرة الزمن الماضي التي تسجل قصص الحضارات وتفكير العلماء ونشاط التجار وإبداع الصناع والفنانين والأدباء وخطى الرحالة والزوار. حوارا يهدف حماية كرامة الإنسان وينظف القلوب من الغفلة، ويزرع الفنون القادرة على إحياء التراث من أجل التجديد لا من أجل التقديس أو البناء فوق الأطلال، بل على احترام الجذور واعتبار الماضي رصيدا، قناعة من المتحاورين أنه من حب التراث، نحب الأحلام وكلاهما وجهان لهوية واحدة راغبة في ألا يكون ماضيها سورا يعيق مستقبلها، بل سلما نحو حياة أفضل.
إنه حوار، وإن كان، فهو افتراضي، يبحث عن المستقبل، عن مستقبل تذب فيه الحياة في مدينة لا تريد أن تظل لوحة معلقة، بل أن تكون مدينة منفتحة على العالم حتى لا تموت، وهي تعلم أن المدن لا تموت إلا حين ينساها أهلها، والتحاور من هذا القبيل يبعد النسيان، ويحرك الوجدان، ويحمي الكيان، ويؤسس لما يطلبه العصر من بيان وبنيان.
سؤال 1
لقد كان الحوار معك غنيا مثمرا لم نشعر بالزمن يمر حتى أدركنا أواخر شهر شتنبر 2025 الذي سجل حركة حراك احتجاجي طارئ، لا نفوت فرصته للحديث عنه، فقد خرج فيه الشباب في عدد من المدن محتجا عن الأوضاع منددا بمظاهر الفساد وتدهور قطاع الصحة وقطاع التربية والتعليم، وسوء تدبير الأمور عامة، وهو احتجاج غير مؤطر وعرف بعض الانزلاقات التي سببت بعض العنف متجليا في التخريب والضرب والجرح الذي خلف قتلى وجرحى ومعتقلين، ونذكر أنك مدينة نالت نصيبها من الاحتجاجات عبر التاريخ وعشنا بعضها، في دجنبر 1990، فكان ضحاياك كثر حينها، وهذا ترك في نفسك آلاما. فماذا تقولين في هذه الأحداث، وهذ الاحتجاجات؟
جواب لسان حال فاس.
لقد قلت في البداية: إنني أقف على مسافة حيادية تاركة الأمر لشبابي الواعي أن يقيم الأوضاع، ويتخذ المبادرات، ومع ذلك فما سأدلي به حول هذا الطارئ سيكون لسان حال أبنائي الذين انخرطوا في الاحتجاج ولم يتخلفوا عن الركب، وقد أبانوا عن وعيهم وحبهم للوطن، وتعلقهم بي كمدينة منخرطة باعتباري جزءا، من الوطن، فقد أوصلوا الرسالة باحتجاج نظيف سلمي مسالم، لأنهم يؤمنون بجدوى الحوار ويستعدون بحصافتهم إليه، معبرين عن مطالبهم وآرائهم واقتراحهم للحلول التي تأخذ بعين الاعتبار آفاق التطور، وما تحتاجه من متغيرات تقرب بين خلفيات المدبرين للشأن العام بمنظور تقليدي، أثبت أنه لا يساير التطور السريع، وبين منظور الجيل الجديد لتحقيق المكاسب الذي يقتنع بأن التحجر هو الذي أبعدهم عن الانخراط في الوسطاء من نقابات وأحزاب وجمعيات مجتمع مدني، وهو الذي جعلهم يظهرون بعض التمرد الذي طال حتى الأسرة والمدرسة والجامعة، ويقتنع هذا الجيل المطلع المنفتح، أن أساليب الانغلاق والنظرة الأحادية للأمور، وعدم إشراكه واطلاعه ومحاورته، هي التي تؤدي إلى تبخيس عدد من الإنجازات والإنجازات الضخمة منها ، معتبرا إياها لا تخدم مصالحه الآنية والمستقبلية
سؤال 2
بخبرتك التاريخية الطويلة، ما هي إمكانيات إعادة الشباب لثقته في مختلف المؤسسات وإقدامه على الانخراط في تصحيحها؟
جواب لسان حال فاس:
أول ملاحظة إيجابية أفصح عنها هي أن هذه الثقة لو كانت قد فقدت في جميع المؤسسات، فهي ليست مفقودة في أعلى سلطة بالمغرب، فكل المحتجين يقدرون شخص الملك، ويؤيدون إنجازاته ويحيون تواصله مع شعبه، واطلاعهم على المشاريع التي تعوض كثيرا عن تقصير الجهاز التنفيذي. وهم يعتبرونه الضامن لحقوقهم وإليه الملجأ لإنصافهم. أما الثقة في باقي المؤسسات فتتوقف على ما يسبقها من قرارات سامية من جهة، ومن جهة ثانية، عن مخرجات التجاوب الإيجابي مع مطالب الشباب وبلورتها عمليا على وجه الاستعجال، وهي لم تعد مطالب اقتصادية فقط، إذ أصبحت سياسية وأخلاقية - من الأوضاع المعيشية إلى البطالة، إلى نظام أكثر عدلا وشفافية، إلى المساءلة الحقيقية، إلى القرارات المنصفة المراعية لمصالح الفئات الضعيفة - وهي المجالات التي صارت منسية في سلة الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني كافة، وهذا ما يستفحل مع قلة ذات اليد للأسر الحائرة في أمرها وأمر أبنائها، وحيث إن هذه المؤسسات الوسيطة بين المواطن والدولة، أخلقت الموعد عدة مرات، مما جعل أمر منحها فرصة ثقة أخرى غير واردة في مطالب الشباب التي رفعت سقف المطالب إلى حل كل المؤسسات وإسقاط الحكومة وحل البرلمان بغرفتيه، وتوقيف عمل الإعلام التقليدي والعمل على تحديثه، وحل الأحزاب والنقابات والجمعيات ومنحها مهلة محددة لتصحيح قوانينها وإعادة النظر فيما تسميه المبادئ والقوانين، واللوائح الداخلية لتكون مسايرة للعصر، وإدخال مبادئ وأنشطة تلبي حاجيات الشباب الواعد المتجاوز، حاليا، لنظريات وأفكار ومبادئ هذه المؤسسات، وأي مؤسسة لم تستطع بلوغ هذه المرامي داخل الأجل المحدد تعتبر متخلفة عن الاهتمامات وإيجاد سبل بلورتها، وبالتالي يجب إلغاء تواجدها في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي والإعلامي ، وكفى من كثرة العد وقلة الفائدة ، فالسلبية صارت فاضحة وتتجلى في ضعف مصداقيتها وتمثيليتها – سكوتها أو مساهمتها في تفشي الفساد والزبونية – فشلها في الوساطة الفعلية والفعالة – انفصال خطابها عن الواقع – ضعف الديمقراطية الداخلية فيها وغياب التداول الحقيقي عن القيادة وهيمنة الزعامات الفاشلة – تخلفها عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي – كل هذه التجليات ساهمت في نفور الأجيال التي عرضت شروطها، والتي إن نفذت يمكن لتنفيذها أن يقرب استعادة الثقة المفقودة.
وتجذر الإشارة إلى أن هذا التصور يخص فئات المحتجين الواعين بمسؤوليتهم، وليس تلك الفئة المشوشة التي اختارت العنف كوسيلة للاحتجاج والتي تعود عواقبه عليهم دون غيرهم.