علاقة التوجس والتقارب بين بكين و واشنطن
"أنا مقتنع بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تعتمد على فهم أن كلا البلدين لديهما قدرة فريدة على إرساء السلام والتقدم في العالم، وأن لديهما أيضا القدرة على تدمير العالم إذا لم يكونا سويا".
هذا ما وصف به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر العلاقات الصينية الأميركية في أكتوبر الماضي بعد زيارة قام بها لبكين.
ويعتبر ملاحظون أن تصريحات السيد كيسنجر، الذي توفي في نونبر الماضي، تلخص الوضع الحالي للعلاقات بين العملاقين، والتي يتخللها التوتر ومحاولات حذرة للتقارب.
خاصة وقد عرفت السنة التي تشارف على نهايتها تجدد التوتر بين البلدين، حيث شكلت النزاعات التجارية والتنافس الجيوستراتيجي حجر العثرة.
وأدى تحليق منطاد صيني فوق الأراضي الأمريكية في فبراير الماضي لتأجيج هذا التوتر الذي اقترب من المواجهة المباشرة بين القوتين العالميتين، لاسيما فيما يتعلق بتايوان. ونددت واشنطن بـ"عملية التجسس"، وهو ما نفته الصين بشكل قاطع.
لكن ورغم هذا التوتر، تبادل البلدان زيارات رفيعة المستوى، إذ أن العديد من المسؤولين الأمريكيين، من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، قاموا بزيارة الصين. ومن جانبها، استقبلت واشنطن وزير الخارجية الصيني وانغ يي.
غير أن الأجواء ظلت دون تغيير. ووسط هذا التوتر، تتجه أنظار المحللين وصناع القرار في مختلف العواصم العالمية نحو القضايا الاقتصادية لترى كيف تتصور بكين وواشنطن مستقبل علاقاتهما في سياق دولي معقد.
وكان نونبر الماضي قد شكل نقطة تحول مهمة في هذه العلاقات مع القمة التي طال انتظارها بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ. حيث بعد أربع ساعات من المحادثات التي جرت في كاليفورنيا، رحب الرئيس الأمريكي بما وصفه بـ"التقدم الحقيقي"
وكتب بايدن على منصة اكس "لقد انتهيت للتو من يوم من الاجتماعات مع الرئيس شي، وأعتقد أن المحادثات التي أجريناها كانت من بين أكثر المحادثات البناءة والمثمرة". وشدد على أن البلدين يعتمدان "على العمل العميق الذي تم إنجازه خلال الأشهر الأخيرة من الدبلوماسية من أجل المضي قدما". كما دعا الرئيس الأمريكي لتدبير التنافس الصيني الأمريكي بطريقة "مسؤولة".
بينما في الجانب الآخر تم التطرق للتوتر ومخاطر المواجهة. وحذر الرئيس الصيني من العواقب التي "لا يمكن تحملها" للمواجهة، مؤكدا أن الصين والولايات المتحدة لا يمكنهما "إدارة ظهرهما" لبعضهما البعض. فأبرز أن "الكوكب كبير بما يكفي لازدهار بلدينا"، في الوقت الذي تخوض فيه واشنطن وبكين منافسة شرسة، سواء كانت اقتصادية، أو تكنولوجية، أو استراتيجية، أو عسكرية.
وبعيدا عن تصريحات حسن النية، يعتبر المحللون أنه من السابق لأوانه القول إذا كان تذويب الجليد الذي لوحظ خلال قمة بايدن وشي ، سيستمر، لأن التنافس بين القوتين العالميتين لا يرحم.
وفي خلفية هذا التنافس، فضلا عن القضايا الاقتصادية والتكنولوجية، يوجد صراع على النفوذ في المجالات ذات الأهمية العالية لكلا القوتين.
وفي أميركا اللاتينية أو أفريقيا، لم تعد الصين تخفي طموحاتها في فرض نفسها كشريك أساسي، بفضل مبادرة "الطريق والحزام".
وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة جهودها لتعزيز تحالفاتها مع الشركاء التقليديين، من اليابان وكوريا والفلبين. وهو الحضور الذي تتوجس منه بكين.