جلالة الملك يترأس الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية


جلالة الملك يترأس الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

     ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، يومه السبت الثاني عشر من رمضان الأبرك، بالقصر الملكي العامر بمدينة الدار البيضاء، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، والذي ألقاه بين يدي جلالته، السيد "مصطفى البيحياوي" أستاذ كرسي التفسير بالكراسي العلمية، متناولا بالدرس والتحليل موضوع "عرض الأمانة بين ميثاق الفطرة وكمال الشرعة".
وفي مستهل هذا الدرس، أبرز المحاضر أن "آية الأمانة"، من حيث موضوعها، "تعرف بأنباء غيب موغل في القدم متصل بتاريخ الدين ووحدته منوهة من خلال ذلك بعرض الأمانة على العوالم الماثلة، وضمنها العوالم العاقلة، للفت النظر إلى وصفين متأصلين في الإنسان، واللذين شكلا عائقا في طريق تحمله وائتمانه: ظلمه اللصيق وجهله العميق". مشيرا إلى وجود ثلاث نظائر لآية الأمانة في الكتاب الحكيم، وهي آية الأعراف "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى..."، وآية الاستخلاف "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..."، وآية الأمانة، أو "آية سورة تآمر الأحلاف على قيم الاستخلاف". موضحا أن وضع آية الأمانة من الناحية البيانية يشكل بلاغا كاملا يجعل من النص الكريم كوثر معان لا يتناهى، مشيرا في هذا الصدد إلى أن النص الكريم تخير الأسنى من الألفاظ الجامعة كلفظ العرض ولفظ الأمانة ولفظ الحمل. أما من الناحية المصحفية، فلفت المحاضر إلى أن آية الأمانة توجد ضمن سورة الأحزاب الثالثة والثلاثين في ترتيب التلاوة بين سورتي السجدة وسبأ، وهي سورة ندائية مدنية. مبينا أن المراد من آية الأمانة "التنبيه إلى قدم العرض، وتقرير أصالة الاستخلاف وشرف المستخلف وأهليته بالتلقي المزدوج، والتعريض المثنى بالمتلقي- التعريض به والتعريض له، أي لفت نظره إلى ما فيه مما يفتأ يقطعه أو يصرعه والتنبه بالمقابل إلى أسرار عروجه عبر مدارج العلم والعدل ضدا على الظلم والجهل".

وأكد أن الرسالة المستصحبة من تدبر "آية الأمانة" هي أن الأمانة أودعت في جذر قلوب الناس حيث جذر الإيمان، فهي بذلك نزوع فطري لدى الانسان، وبمقتضاها كان متدينا أصالة، فهو ينزع إلى التوحيد بدل التعديد، وإلى الحق عوض الباطل، وإلى القصد ضدا عن التطرف والشذوذ، وإلى النظام رفضا للفوضى والعبث. موضحا أن "هذا الجذر ككل جذر مستنبت في عالم الشهادة بحاجة إلى أن ي تعهد، وتعهده هنا بما هو مناسب له بالذكر علما وتزكية مددا وسندا، وإلا ظل مهملا أو مفتوحا على الخارج المضاد بفتنته، فضاع أو كاد وسبب ضياعه عموم الفساد"، مضيفا أن الإنسان متمدن بطبيعته، ومن ثم فهو قابل للتخلق بالأخلاق الفاضلة، ذلك أنه أخلاقي بالفطرة. مسلطا الضوء على أنه ينبغي للإنسان أن يرى أن الوجود المؤتمن بالتسخير ممثلا بالعوالم المائلة إنما نصب ليدل على الله بآياته وليصل الموصول منه بمدده وآلائه، كما ينبغي عليه أن يرى الوجود المؤتمن عليه ائتمان بالتخيير، فيشعر بثقل الأمانة التي حملها وشرف المسؤولية التي وكلت إليه فيخشى من أن تغلب حريته أمانته، أو تصادر أنانيته غيريته، فيقطع عن سر الوصل ومدده المنبه عليه في آية الاستخلاف بالفعلين علم وتلقى.

وخلص المحاضر ذاته إلى أنه ينبغي أن ينظر الإنسان بعين الإكبار لهذا القرار الممثل بالانتداب برسم العرض الأسنى في حضرة العوالم ذات المعنى ليطلع منه الانسان على أنه هو "هو"، منتدب من قبل ربه الذي هو "هو"، منتدب لأمر كبر على الأكوان أن تحمله، وليشهد رحمة ربه به إذ دله على مكامن ضعفه، كما دله على ثنائي معراجيته بالتنبيه بضد وصفيه علما وعدلا، وختم رسالته إليه بسر الحب لديه، حيث قابل نعتي عبده ظلوما جهولا بوصفيه تعالى غفورا رحيما.

وفي ختام هذا الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأستاذ الشيخ "محمد أحمد محمد حسين" المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية بفلسطين، والأستاذ "إسماعيل لطفي جافاكيا" رئيس جامعة فطاني بجنوب التايلاند، والأستاذ "رافع ابن عاشور" أستاذ بجامعة قرطاج وقاضي بالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان بتونس، والأستاذ الحاج "عبد الله المشري" من علماء موريتانيا، والأستاذ "يوغو بوبكار" رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ببوركينا فاسو، والأستاذ "داود دينيس كريل" أستاذ باحث في معهد الدراسات حول العالم العربي والاسلامي بفرنسا. فضلا عن، الأستاذ الشيخ "مصطفى دياترا" مستشار الخليفة العام للطريقة المريدية بالسنغال، والأستاذ "عبد الكريم ديوباتي" رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بغينيا، والأستاذ الشيخ "إبراهيم ناصر نياس" الأمين العام للاتحاد الإسلامي الإفريقي بالسنغال، والأستاذ "علمي عبد الله عطر" رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجيبوتي، والأستاذ "أحمد سعيد ولد أباه" رئيس جامعة شنقيط العصرية بنواكشوط.

إثر ذلك، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية "أحمد التوفيق" إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة، حاملا إلكترونيا يتضمن قراءة جماعية للقرآن الكريم أي 60 حزبا بالصوت والصورة لمرشدات معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات.

اترك تعليقاً