من الإبداع الحرفي إلى الإدماج الاقتصادي نجاح تجربة التعاونيات بفاس
تواصل التعاونيات بفاس الاضطلاع بدور محوري في التنمية المحلية، بدعم من الدينامية التي أطلقتها المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت سنة 2019. ومكنت من دعم عدد كبير من المشاريع ذات الأثر السوسيو-اقتصادي القوق الني تركز على تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب ، حيث تبنت السلطات المحلية مقاربة تشاركية وهيكلية. فبين سنتي 2019 و2024، تم إنجاز ثماني دراسات لسلاسل القيمة على مستوى عمالة فاس، بهدف فهم خصوصيات الاقتصاد المحلي بشكل أفضل، واستهداف مجالات التدخل بشكل أكثر فعالية.
وقد أفضت هذه الدراسات إلى تمويل 81 مشروعا، من بينها 53 تعاونية، لفائدة أكثر من 300 مستفيد. وأفادت كوثر لحراري، مسؤولة بقسم العمل الاجتماعي بعمالة فاس بأن هذه المشاريع تشمل قطاعات متنوعة من بينها الصناعة التقليدية والسياحة والصناعات الغذائية وتكنولوجيا المعلومات.
على اعتبار أن فاس تعد مركزا تاريخيا لهذا الإرث العريق"، و أن هذه التدخلات تنسجم مع رؤية استراتيجية تم وضعها بناء على دراسة أنجزت سنة 2020، وتهدف إلى تحديث سلاسل القيمة في الصناعة التقليدية وتعزيز أثرها الاقتصادي المستدام.
ومن بين أبرز المبادرات المدعومة تبرز تعاونية "أصدقاء فنون السيراميك" التي يشرف عليها ياسين موحيد، والمتخصصة في صناعة الزليج المغربي التقليدي. وقد استفادت هذه التعاونية من دعم مالي وتقني في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مما أحدث تحولا عميقا في ظروف الإنتاج.
وأكد السيد موحيد "تقدمنا بطلب دعم إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحصلنا على دعم قيم، على الصعيد المالي أو التقني"، مضيفا أن هذا الدعم مكن التعاونية من اقتناء فرن عصري أوتوماتيكي يعمل بالغاز، بدل الأفران الطينية التقليدية.
وأشار إلى أن هذا التحول شكل نقطة مفصلية في مسار التعاونية، لكون "الأفران القديمة لم تكن تسمح بضبط حرارة الطهي بدقة، مما كان يسبب عيوبا في الإنتاج وجودة غير مستقرة، وهو ما تمكنا من تجاوزه بفضل التكنولوجيا الحديثة".
كما ان اعتماد فرن أوتوماتيكي ساهم في التخفيف من عبء الأعمال الشاقة على الحرفيين، "حيث كان يتعين في السابق المكوث لساعات طوال قرب النار لتغذية الفرن يدويا، مما كان يعرض الفريق لحرارة مرتفعة. والآن، نشتغل في ظروف أفضل بكثير".
وتجسد هذه التجربة الناجحة المقاربة الشاملة للمبادرة ، التي لا تقتصر فقط على التمويل، بل تشمل المواكبة التقنية وإطلاق طلبات مشاريع موجهة، وتقييما دقيقا من طرف لجان محلية.
ويعد اليوم العالمي للتعاونيات، الذي تم الاحتفاء به يوم 5 يوليوز تحت شعار: "التعاونيات: حلول شاملة ومستدامة لعالم أفضل"، مناسبة لتجديد التأكيد على الدور الحيوي الذي تضطلع به هذه البنيات في خلق فرص الشغل وتعزيز التماسك الاجتماعي.
بينما تظهر تجربة فاس أن التعاونيات، حين تتلقى التأطير المناسب، يمكن أن تساهم بشكل فعال في تثمين التراث وخلق الثروة ودمج الشباب مهنيا.
ومن خلال الاستثمار في المؤهلات المحلية وتحديث سلاسل الإنتاج التقليدية، تؤكد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكانتها كمحور استراتيجي في مسار التنمية الشاملة للمملكة.