سيمفونية التنوع والتسامح في مدينة الرياح

أثبتت الدورة 26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، مرة أخرى، المكانة البارزة لهذه التظاهرة التي تمزج بين التقاليد العريقة والتعبيرات المعاصرة، وتجسد منذ أكثر من عقدين من الزمن الروح النابضة لمدينة الرياح المتمسكة بجذورها الثقافية الراسخة والمنفتحة في الوقت ذاته على العالم.
وفي قلب هذا المهرجان، تنبض موسيقى كناوة بقوة الوحدة والتلاقي، مرسية جسرا قديما يربط بين الأرواح، عبر مزج التأثيرات الإفريقية والعربية-الأمازيغية والحديثة. هذا المزيج الصوتي ليس مجرد تراث فحسب، بل هو احتفال حي بتعدد الهويات وتنوع الإنسانية.وقد كرست هذه الدورة ، هذا التوجه عبر برنامج متنوع جمع بين أساطير موسيقى كناوة، ونجوم الساحة العالمية، والمواهب الشابة الصاعدة، في تحالف بين الأصالة والحداثة يعكس حيوية الثقافة المغربية وقدرتها على التجديد دون نسيان الجذور.
ويصبح السكان أنفسهم جزءا فعالا من هذا الاحتفال، يستقبلون الزوار والفنانين بحرارة وحفاوة. ويخلق المهرجان جسرا حيا بين التقاليد الشعبية والحداثة الحضرية، ويدعو الجميع لمشاركة لحظة فريدة من التآلف.
وإلى جانب الموسيقى، يشكل المهرجان فضاء للحوار والتبادل الثقافي، حيث تواكب حفلاته لقاءات وورشات ونقاشات يجد فيها التسامح مكانه، داعيا المشاركين إلى التفكير في التعايش السلمي مع التنوع.
وبالفعل، فقد نظمت بالموازاة ، الدورة 12 لمنتدى حقوق الإنسان الذي حمل شعار "الحركيات البشرية والديناميات الثقافية"، وشاركت فيه نخبة من المفكرين والفنانين والدبلوماسيين والنشطاء وممثلي المؤسسات لمناقشة قضايا الهجرة، أبرزوا خلالها ثراء المسارات، وقوة المخيال، والقضايا المحورية المرتبطة بالكرامة والعدالة والذاكرة، وهو ما كرس دور المنتدى في إشاعة روح الانفتاح التي يرسخها المهرجان، مجسدا حوارا بين الموسيقى والأفكار، والإيقاعات والحقوق.
وشكل برنامج "بيركلي في مهرجان كناوة وموسيقى العالم" نقطة قوة أخرى في هذه الدورة حيث وفر هذا الحدث، الذي يعد ثمرة شراكة بين كلية بيركلي للموسيقى ومهرجان كناوة وموسيقى العالم، للموسيقيين المتمرسين فرصة فريدة لتطوير مهاراتهم الفنية.
ومن جهة أخرى، يمثل مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة فرصة ذهبية للاقتصاد المحلي، حيث يضطلع بدور اقتصادي وسياحي كبير. فهو ينشط المدينة ويجذب جمهورا دوليا ويعزز مكانة الصويرة كوجهة رائدة في المشهد الموسيقي الأفريقي والعالمي. وتساهم هذه البعد في تعزيز الشعور بالانتماء المحلي ضمن دينامية عالمية.
هكذا إذن، شكلت الدورة 26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم مناسبة متجددة للتأكيد على أن الثقافة ركيزة أساسية للحوار الاجتماعي والتماسك، ومحفز على الاحتفاء بجمال الاختلافات، وغرس قيم التسامح، وبناء جسور دائمة بين الشعوب. وبذلك، يواصل مهرجان كناوة، الوفي لإرثه، كتابة صفحة مشرقة تلتقي فيها الموسيقى والتنوع والأخوة لتقدم للعالم رسالة نابضة بالوحدة والأمل.