بعد العشرية السوداء هل للجزائر الحق في انتقاد مالي؟

خلال تسعينيات القرن الماضي، شهدت الجزائر فترة اتسمت بالعنف الشديد. وأغرقت الحرب الأهلية، التي اندلعت إثر توقف العملية الانتخابية نتيجة اختراق الجبهة الإسلامية للإنقاذ البلاد، في دوامة من سفك الدماء.و خلفت الاشتباكات بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة عشرات الآلاف من القتلى، معظمهم من المدنيين الذين وقعوا ضحايا مجازر واسعة النطاق. وتركت حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية والانتهاكات التي ارتكبتها السلطات بصمة عميقة في الذاكرة الجماعية. استمر القمع بلا هوادة، لدرجة أن النصر العسكري، بالنسبة للكثيرين، جاء على حساب صدمة نفسية دائمة وجمود سياسي اتسمت به العقود التالية.و تسلط الجزائر اليوم الضوء على هذه التجربة كدليل على قدرتها على احتواء التهديد الإرهابي بشكل مستدام. وتستمر العمليات العسكرية، كما يتضح من القضاء مؤخرا على ستة مسلحين في منطقة تبسة. ويؤكد الجيش الوطني الشعبي على فعالية استراتيجيته، التي تجمع بين التحييد الميداني وسياسة المصالحة التي طُبقت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هذا النجاح الأمني النسبي يعطي الجزائر صورة قوة إقليمية قادرة على حماية حدودها والحد من نفوذ الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة أو الدولة الإسلامية.بالمقارنة مع مالي، التي تُنتقد باستمرار بسبب العنف الذي تمارسه قواتها وحلفاؤها في الحرب ضد الجهاديين، تُقدم الجزائر نفسها كنموذج بديل، إلا أن هذه المقارنة تثير تساؤلات. فبينما تنتقد الجزائر باماكو بسبب وحشية بعض العمليات، يُظهر ماضيها أن الانتصار على الإرهاب تحقق على حساب القمع الذي لا تزال آثاره بادية. يشكك هذا التناقض في الشرعية الأخلاقية لمنتقديها. من ناحية أخرى، وعلى المستوى العملي، يمكن للجزائر أن تشيد بتجربة فريدة من نوعها: وهي الجمع بين القوة العسكرية والعرض السياسي، وإن كان ناقصا، مما مكن من الحد من القدرات الضارة للجماعات المسلحة.لذا، تجد الجزائر نفسها في موقف متناقض. إذ يمكنها الإشارة إلى أن القمع العشوائي يضعف السكان الذين تدعي حمايتهم، بينما تؤكد في الوقت نفسه على خبرتها الأمنية. هذا الإرث المزدوج، المكون من نجاحات عسكرية ومناطق رمادية، يعطي صوتها وزنا خاصا في النقاش الإقليمي. ولكنه يذكر أيضا بأنه لا توجد دولة سالمة من حربٍ على الإرهاب، وأن الدروس المستفادة هي أيضا دروس من ماض لا يزال مؤلما.