انسحاب إريتريا من إيقاد يثير مخاوف عودة التوتر مع إثيوبيا
شهدت منطقة القرن الإفريقي تطورا سياسيا بارزا بعد إعلان إريتريا انسحابها من الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد»، في خطوة تحمل دلالات عميقة على هشاشة التوازنات الإقليمية، وتعيد إلى الواجهة المخاوف من عودة النزاع مع إثيوبيا في توقيت حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وبررت أسمرا قرارها بفشل المنظمة في حماية مصالحها وعدم إسهامها في الاستقرار الإقليمي أو الوفاء بالتزاماتها القانونية، وفق ما نقل موقع "هيران"، فيما جاءت لغة البيان حازمة وقاطعة، متهمة «إيقاد» بالعجز المتكرر عن أداء دور استراتيجي فعال، في مؤشر على قناعة القيادة الإريترية بأن المنظمة لم تعد إطارا محايدا أو مؤثرا.
ورغم غياب أي ذكر مباشر لإثيوبيا، فإن السياق السياسي يجعل العلاقة بين البلدين حاضرة بقوة، خصوصا بعد تصاعد التوتر مجددا إثر إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على طرح مسألة وصول بلاده إلى البحر الأحمر، وهو ملف شديد الحساسية بالنسبة لإريتريا ويتبر تهديدا استراتيجيا مباشرا.
ويعتقد محللون أن انسحاب إريتريا جاء في وقت تحاول فيه الأطراف الدولية إعادة تثبيت "اتفاق الجزائر" لعام 2000، الذي أنهى رسميا الحرب الحدودية بين البلدين، بينما تظهر الوقائع أن جذور النزاع لا تزال قائمة وأن الاتفاق لم ينفذ بالكامل على الأرض.
وعلى الرغم من التحسن النسبي في العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا بعد اتفاق السلام عام 2018 وعودة إريتريا إلى «إيقاد»، فإن هذا التقارب أثبت هشاشته، خاصة بعد اتفاق بريتوريا عام 2022 الذي أنهى حرب تيغراي وأعاد خلط الأوراق الإقليمية.
ويعتبر مراقبون أن خروج إريتريا من «إيقاد» للمرة الثانية يعكس فقدان الثقة في الآليات الإقليمية ويضعف قدرة المنظمة على لعب دور الوسيط في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا اضطرابا، كما يبعث برسالة مقلقة مفادها أن إدارة الخلافات تميل إلى الحلول الأحادية بدلا من الأطر الجماعية، في وقت يكتسب فيه البحر الأحمر أهمية متزايدة كساحة للتنافس الجيوسياسي.
في هذا السياق، لا يقتصر انسحاب إريتريا على أزمة بين دولة ومنظمة، بل يكشف هشاشة المصالحة مع إثيوبيا ويعيد المنطقة إلى دائرة الشكوك القديمة، حيث لا تزال اتفاقات السلام قائمة على الورق أكثر مما هي متجذرة على الأرض، ما يجعل هذه الخطوة بمثابة إنذار مبكر على أن الاستقرار الإقليمي لا يزال بعيد المنال رغم البيانات الدبلوماسية الرسمية.