نحو حكامة عقارية مسؤولة تقوم على احترام المساواة بين الجنسين
منذ زمن بعيد والنساء يضطلعن بدور محوري في الإنتاج الفلاحي ويسهمن في تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعد ركيزة للنمو الاقتصادي لبلدانهن، بيد أن المجهود الذي يقمن به غالبا ما يوضع في منزلة دنيا داخل نموذج إنتاجي زراعي تطغى عليه هيمنة الذكور. وبغياب أي اعتراف مجتمعي لإسهاماتهن، تظل النساء في وضعية هشاشة أمام الصدمات المناخية وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية.
وبالإضافة إلى الأعمال المنزلية، تقوم النساء والفتيات القرويات، اللواتي يعانين في الغالب من الأمية، بمهمة بذر البذور وإزالة الأعشاب الضارة وحصاد المنتوج، فضلا عن بيع المنتجات الفلاحية. ورغم أنهن يؤدين دورا حيويا للمحافظة على سلامة الأراضي، إلا أنهن لا يمتلك في الغالب الأعم أي أحقية في تملكها. وحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، يتشكل نصف اليد العاملة في المجال الفلاحي العالمي من الجنس اللطيف، لكن النساء لا يشكلن، في المقابل، إلا خمس ملاك العقار في العالم.
وهناك عوائق هيكلية وقانونية وعرفية تفتح الباب أمام ممارسات تمييزية متجذرة في بعض المجتمعات، مما يحول دون تمكن هذه الفئات من النساء من امتلاك الأراضي، وبالتالي، من تحقيق ذواتهن وبلوغ درجات من النجاح في ظل سياق دولي يطبعه تدهور الأراضي والتصحر والجفاف.
وفي هذا الصدد، حث الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كل الحكومات على إزالة العوائق القانونية التي تحول دون تملك النساء للأراضي وعلى إدماجهن في عمليات صوغ السياسات العمومية.
ففي رسالته الصادرة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، الذي يتزامن مع يوم 17 يونيو، تحت شعار "المرأة. أرضها. حقوقها "، أكد السيد غوتيريش أن تعزيز المساواة في الحق في امتلاك الأراضي تسهم في حماية الأرض وفي تعزيز المساواة بين الجنسين على حد سواء.
وأضاف أنه حيثما ملكت النساء الأراضي، أصلحنها وحمينها فكان من ثمرة ذلك زيادة الإنتاجية وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف، والاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم والتغذية. كما دعا إلى تقديم الدعم للنساء والفتيات "حتى يتسنى لهن تأدية دورهم في حماية أنفسهم.
وفي سياق راهن يطبعه التعقيد المتزايد جراء ندرة المياه وتصحر الغابات والرعي الجائر وانجراف التربة والجائحة وغلاء المعيش والهجرة القروية، تعتبر النساء الفئة الأكثر تضررا. وأمام محدودية وعدم المساواة في الولوج إلى الأراضي، فإنهن يلجأن في حالات معينة إلى حمل عبء أسرهن دون أن تكون لهن إمكانية اتخاذ القرارات المهمة الخاصة بالموارد الفلاحية.
وبتحميلهن المسؤولين، سيكون بمقدور هؤلاء النساء الكريمات المساهمة في مواجهة تدهور الأراضي وتأثيرات التغير المناخي، مع العمل على دعم الجهود الدولية الرامية إلى استصلاح الأراضي وتقوية درجة الصمود أمام الجفاف.
وقد تمت الإشارة إلى دور النساء في الاستصلاح والتدبير المستدام للأراضي، فضلا عن أهمية المساواة بين الجنسين بوصفه مبدأ موجها لبلوغ أهداف الألفية الواردة في خطة عمل النوع الاجتماعي 2017 التي صادقت عليها أطراف الاتفاقية.
وخلال هذه السنة، يتم التركيز على دعوة المجتمع الدولي إلى الانخراط أكثر في اعتماد مقاربة شمولية تساعد على تحقيق حكامة عقارية مسؤولة وتحترم المساواة بين الرجل والمرأة في ما يخص الاستفادة من حقوق امتلاك العقار في المجال الفلاحي بوصفه وسيلة لتقليص الفقر والجوع ونقص التغذية.
وينخرط المغرب، بشكل كامل، في الجهود الدولية الخاصة بالاهتمام باستحضار بعد النوع في برامج مكافحة التصحر ومختلف المبادرات والإجراءات الرامية إلى التمكين الاقتصادي للنساء والمساواة بين الرجل والمرأة بهدف تجاوز العوائق المرتبطة بالنوع في مجالي التدبير المستدام للموارد الطبيعية واستصلاح الأراضي.
وقد قام مركز إدماج النساء في العقار بوضع حزمة من المحددات العقارية المبنية على النوع تشير إلى مختلف أبعاد ولوج النساء إلى العقار ومشاركتهن في الحكامة العقارية، ومكتبة قانونية تضم النصوص القانونية ودليلا موضوعاتيا حول الحقوق العقارية للنساء.
وفي نفس الإطار، تمت المصادقة
على قانون إطار يهم الأراضي السلالية، مما يتيح لذوات الحقوق بتملك أراضيهن، فضلا
عن القرار الأخير لمحكمة النقض الذي اعترف بحقوق السلاليات في الاستفادة من توزيع
الانتفاع بالأراضي الجماعية. وهو حق مشروع طالبت به النساء المغرببات المدافعات عن
الحق في الولوج إلى الأرض.