فاس . أرض الحوار تحاور أبناءها
صورة - م.ع.ن
سؤال 5:
أوضحي يا فاس لنا، هل اعتماد استقراء كتب التاريخ وما دون إعلاميا عن تراثك ووثق من صور وزيارات تأكيد، كان فيه اضطراب لحد اعتباره نوعا من الفوضى؟
جواب لسان حال فاس:
جلكم يعلم أنه لم يعد العقل البشري يتقبل أو يتصور العيش وسط مظاهر تحكمها الصدفة، ويقلقني أن يصبح وجودي رهين الصدف، في الوقت الذي أرغب أن تستمر حمولتي وذاكرتي في الارتقاء بشأني، ومن أجل هذه الرغبة التي ما أن تطفو حينا حتى تغيب أحيانا، ولأزمان طويلة، تحث أنظار أبنائي، بل بمباركتهم ولا مبالاة منهم أحيانا. أتساءل معكم عمن يملك تحريك المفاصل الأساسية لإظهاري بما يليق بمكانتي ووجودي. فأنا مللت اعتباري كيانا يجسد الماضي، فقط، بينما أنا الماضي وأنا الحاضر ، وإذا لم أقل أنا المستقبل فلأني لست أنانية، ولكن هذا ما لم تدركه الكتابات، وإن كانت توثق لأحداث وحقائق ثابتة وكأنها تستقرئ التاريخ لإعادة ترتيب أحداثه التي كانت وانتهت وحفظت بما جاءت عليه، وليته استقراء توليدي يبرز من الجوانب التاريخية ما يستفيد منه الحاضر والمستقبل ليكون الحاضر نابضا بالحياة، وأكون جزءا من المستقبل الذي ينبني على أمجادي، ليصبح مستقبلا متطورا يمخر عباب الرقي باستمرار، فما لدي من مؤهلات ومقومات يساعدني على الاستمرار في التطور، وبكفاءة مكتسبة من خلال تجاربي في كل الأحقاب التي مرت بي لو يحسن استثمارها بعيدا عن الفوضى التي توحي بأن تاريخي تشويش على حاضري، وأنه غير قادر على الانفتاح والتطور، بينما مقدراتي تقول العكس، ولكنها جاثمة في الرفوف ولم يكشف عنها بعد، باستعمال تقنيات ما يوفره العصر من أدوات,
سؤال 6:
هل يمكن لهذا التراث أن يصبح عامل جذب للارتقاء بفاس، وبثبات إلى سلم الرقي واستقرار الساكنة، أو أنه، من خلال ما عرفته عبر السنين الطوال، لفاس رأي آخر حول واقع هذا التراث الطبيعي، مقارنة بالمتغيرات الخارجية – ولو أنها تروم الحفاظ على التراث المادي واللامادي – باعتماد تصنيفك ضمن التراث الإنساني العالمي؟
جواب لسان حال فاس:
أنا أرض الحوار أحضر على غير العادة، جلسة حوارية مع أبنائي، وقد سعيت لهذا الحوار لأنكم جزء مني ونحن جميعا جزء من المغرب الذي اختار ابني (إدريس الأزهر) ليتولى بنائي وتأسيس الدولة، واختار ما تلاها من أحداث وإنجازات، أصبح معظمها مسجلا ضمن التراث الطبيعي دون أن تبرز مقارنته بالمتغيرات الخارجية.
رأيي، اليوم، هو أن تلكم الجوانب قابلة للتحديث على غرار بعض المدن العالمية التاريخية التي تتوفر على أوجه الحداثة المستثمرة لتاريخها، والتي تشعرك بتمازج فعال يوطد الماضي على أنه المدخل الحيوي للحاضر والعبور إلى المستقبل، ولكم أن تلاحظوا هذا الاستثمار في مدية إشبيليا أو باريس أو موسكو أو المدينة المنورة، مثلا.
وأنا في لحظة حوار شفاف، فهذا يشعرني بتحقيق توازن في الحوار الجاد وبدون لغة خشب كما تقولون، وسندي هو هذه الطفرة التنموية التي تجلل هامات وطني، معتمدة حرية التعبير وإبداء الرأي، وهذا التوازن هو القاسم المشترك للسعي الفعلي نحو نتيجة هامة.
إني اليوم أرى أن تصنيفي ضمن التراث الإنساني العالمي، يحملني حمولتين متناقضتين: حمولة الاعتراف بمكانتي والافتخار بأمجادي، وحمولة الإيحاء بانتهاء دوري، وأني تقاعدت ولا ينتظر سوى غيابي القصري عن الوجود المادي لا قدر الله. ومع ذلك فأنا لا أنظر للجزء الفارغ من الكأس، وأعتبر نبشكم في هذا التراث وإحياء الموروث لتناقله بين الأجيال، لا يشكل نكوصا أو تراجعا للوراء، ولا يقول عكس ذلك إلا جاحد أو ناكر، بل أجد فيه تقاطعا مع نبض العصر الذي يشهد ثورة تقنيات في جميع مناحي الحياة والتي أريد أن أستقيد منها.
إن ما قمتم وتقومون به من نبش هو تأمل في ماضي كمدينة تراث عسى أن يتم تلقفه كمنفعة وإفادة، ويمكن أن يترك منه ما أساء لي زمنا أو قد يسيء، خلال أعمال وإنجازات لصالح بناء صرح مستقبلي، ودحول المستقبل من باب ربط أمجاد الماضي بالحاضر في أفق المستقبل الواعد، ولا أقول هذا تقييما، فأنا كما أسلفت أقف على مسافة حيادية، إنما أذكره لأنه لا زال هناك الكثير والكثير بين جوانحي لم ينل حظه من العناية والإحياء ليبقى حاضرا وسط كل المتغيرات والمؤثرات الخارجية، ففي إحيائه إحياء لي يشعرني بأني غير مهملة أو مهمشة، وأن تحديثي لن يكون مجرد اقتباس أو فرض حداثة غيري أو استيراد قوالب جاهزة من الآخر، لا تراعي خصوصيتي وخصوصية أهلي وأبناء وطني، ولكن أن يكون من إبداع الكفاءات الوطنية التي سرني كثيرا ما أنجزته في معلمة مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط : المفخرة الوطنية / العالمية ، وقد مزجت بين الأصيل والحديث في روعة متناهية الدقة ، اسمحوا لي إذا قلت: إنها تلخص ما حاولت أن أوضحه لكم حول أمنياتي أن يصبح تراثي عامل جذب لارتقائي بثبات إلى سلم الرقي واستقرار ساكنتي.