جيل زد يقود موجة التحول السياسي والاجتماعي في إفريقيا: وعي رقمي جديد يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة

يشهد المشهد الإفريقي بروز جيل جديد من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، هو ما يعرف بـ"جيل زد"، الذي أصبح محور اهتمام متزايد من قبل وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الدولية. فبحسب تقارير متعددة، من بينها تقارير نشرها موقع إندبندنت عربي، فإن هذا الجيل يمثل حراكا مختلفا في طبيعته وأدواته، إذ يتبنى أساليب رقمية بحتة في التواصل والتنظيم، ويبتعد عن الأيديولوجيات الحزبية والهويات السياسية التقليدية.
إنه جيل تشكل وعيه في فضاء الإنترنت، وتحركه قضايا العدالة والمساءلة، أكثر مما تحركه الانتماءات الضيقة أو الولاءات القديمة.
ويبرز هذا الحراك في لحظة دقيقة تمر بها القارة الإفريقية، حيث تتقاطع أزمات اقتصادية واجتماعية متشابكة، من تراجع معدلات النمو إلى اتساع الفجوة بين النخب الحاكمة والشباب، فضلا عن تآكل الثقة في المؤسسات السياسية، خصوصاً الحزبية منها.
ويعد المغرب والسنغال ونيجيريا والسودان وكينيا وجنوب إفريقيا مختبرات حقيقية لفهم هذا التحول في الوعي الجمعي لدى الشباب الإفريقي.
و برزت خلال السنوات الأخيرة احتجاجات متقطعة قادها شبان من "جيل زد"، عبرت عن حالة من الغضب الشعبي تجاه ارتفاع تكاليف المعيشة واستفحال البطالة والفساد. ورغم أن هذه التحركات لم تعرف قيادة واضحة أو هيكلا تنظيميا صارما، فإنها جسدت تململا مجتمعيا واسعا.
ووفق تقارير وطنية صادرة عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية ومركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فإن جوهر هذه الحركات ينبع من أزمة ثقة عميقة في المؤسسات والأحزاب، ومن فجوة متزايدة بين تطلعات الشباب والواقع الاقتصادي.
وقد اتخذت هذه الاحتجاجات طابعا رقميا واضحا، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مركزيا في التعبئة والتأثير، خصوصا لدى الجيل الذي نشأ بعد إصلاحات دستور 2011، والذي وجد نفسه أمام واقع اقتصادي لا يوازي وعود الانفتاح السياسي.
وتوصي التقارير بضرورة فتح نقاش وطني حقيقي يفضي إلى إصلاحات ملموسة في مجالات التعليم والصحة ومحاربة الفساد، لضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المدى القريب.
أما في السنغال، فقد كان لجيل "زد" دور حاسم في إحداث التغيير السياسي. إذ قاد هذا الجيل، من خلال حركات اجتماعية واسعة، موجة احتجاجات ضد النظام السياسي القديم، نجحت في إنهاء عقود من الهيمنة السياسية، بفضل رموز مثل عثمان سونكو. وتميزت هذه الحركات بقدرتها على الجمع بين النشاط الرقمي والعمل الميداني، مع التركيز على خطاب وطني جامع بدلا من الانقسامات الأيديولوجية، لتصبح السنغال نموذجا في الانتقال الديمقراطي الذي تدعمه التقنيات الرقمية.
وفي نيجيريا، برز وعي شبابي جديد يتجاوز الانقسامات الدينية والعرقية، تجسد في الحملات الإلكترونية التي واجهت الفساد واستبداد السلطة، مثل حملة #EndSARS الشهيرة. ووفق دراسة صادرة عن معهد الدراسات الأمنية بجنوب إفريقيا، فإن هذا الجيل اعتمد على أسلوب "الحركة بلا قيادة"، حيث تتم التعبئة بشكل جماعي ومنظم رقميا، مع توزيع للأدوار دون مركزية أو قيادة فردية.
هذا النهج مكن الشباب من فرض قضايا العدالة والمساءلة على الأجندة السياسية، وخلق شبكات تضامن عابرة للهويات التقليدية.
وفي السودان، تختلف تجربة "جيل زد" قليلا، فقد كانت ثورته منذ 2018 مليئة بالمآسي نتيجة تصاعد الصراعات القبلية والعرقية، لكن الشباب السوداني أبدى قدرة استثنائية على التنظيم الأفقي واللامركزي، معتمدا على المحتوى الرقمي لتوثيق الانتهاكات وفضح الممارسات السلطوية، لا سيما في إقليم دارفور. وعلى الرغم من العنف والانقسامات، ظل جيل الشباب هناك متمسكا بخيار الوعي والمقاومة الرقمية كأداة للمساءلة والتغيير.
وفي كينيا، تمكن "جيل زد" من نقل الحراك من العالم الافتراضي إلى الواقع السياسي. ففي عام 2024، قاد شباب الجامعات والناشطون الرقميون تظاهرات حاشدة ضد رفع الضرائب، أجبرت الرئيس ويليام روتو على التراجع عن سياساته المالية.
وبحسب المعهد الإفريقي للديمقراطية والتنمية، فإن هذا الجيل يرفض وساطة الأحزاب التقليدية، ويستخدم الأدلة الرقمية والبيانات المصورة لفضح الفساد. وتعرف تجربتهم بما يسميه الباحثون في نيروبي "سياسة اللا قيادة"، أي التنظيم الشبكي المرن الذي يجعل من وسائل التواصل الاجتماعي مركز القرار الحقيقي.
أما في جنوب إفريقيا، فيعيش جيل "زد" إحباطا متزايدا نتيجة تباطؤ العدالة الاجتماعية وارتفاع البطالة إلى أكثر من 50%، ما خلق شعورا بالخذلان تجاه "جيل التحرير" الذي وعدهم بالازدهار. وقد قاد الشباب هناك احتجاجات طلابية واسعة تحت شعار "الرسوم يجب أن تسقط"، رفضا للضرائب المتزايدة، ومطالبة بإصلاح النظام الاقتصادي وإعادة تعريف المواطنة الاقتصادية داخل إطار الديمقراطية، بما يعكس تحولا من منطق الثورة إلى منطق الإصلاح المؤسسي.
وفي المحصلة، تجمع التقارير على أن "جيل زد" في إفريقيا لا يمثل مجرد فئة عمرية، بل هو ظاهرة فكرية وثقافية تعيد تشكيل علاقة المواطن بالدولة. إنه جيل يرفض الحزبية القديمة، ويختار الفضاء الرقمي كجبهة نضاله الأولى، حيث تصاغ السرديات وتعبر المطالب.
كما أن تفاعل شباب الدار البيضاء مع ما يجري في داكار أو لاغوس أو الخرطوم يخلق وعيا قاريا مشتركا، يعبر الحدود ويصنع تجارب متقاطعة.
ولم يعد التغيير بالنسبة لهذا الجيل يعني الانقلابات أو الثورات الدموية، بل أصبح يتمثل في الضغط المستمر والإصلاح التدريجي والمساءلة الرقمية، التي تمهد للمساءلة الواقعية. بهذا المعنى، يمثل "جيل زد" اليوم جيلا يؤسس لعهد جديد من الوعي والمواطنة، لا يقوم على الولاء أو الإيديولوجيا، بل على المعرفة والاتصال والقدرة على التنظيم الذاتي.