تقارب مصري-صيني في ظل تحديات عالمية غير مسبوقة

في ظل تحولات جيو-سياسية عميقة وتحديات اقتصادية عالمية غير مسبوقة، استقبلت القاهرة رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في زيارة رسمية تحمل دلالات استراتيجية كبيرة.
تأتي في وقت تعزز فيه مصر شراكتها مع بكين كأحد الركائز الأساسية لسياستها الخارجية، في إطار سعيها لتنويع التحالفات وتعظيم المصالح الوطنية في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وقال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، في العاصمة المصرية: إنه يتعين على الصين ومصر، باعتبارهما دولتين مهمتين في الجنوب العالمي، أن تواصلا تعزيز التنسيق الاستراتيجي من أجل حماية المصالح المشتركة.
وقد أكد الخبير الاقتصادي المصري، محمد أنيس، في تصريحات خاصة ل"RT" ، أن التغيرات الجوهرية في خريطة الاقتصاد العالمي تخلق فرصا استثنائية لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين مصر والصين: فالصين التي تحتل المرتبة الثانية بين أكبر الاقتصادات العالمية، تواجه تحديات متزايدة في تصدير منتجاتها إلى الأسواق الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة استمرار الحرب التجارية التي ما زالت مستمرة، حتى الآن.
كما أشار أنيس إلى أن الحل الاستراتيجي الأمثل للجانب الصيني يتمثل في إيجاد شريك ثالث يتمتع بمواصفات محددة، أهمها القبول الدولي والعلاقات المتوازنة مع مختلف الأطراف، إلى جانب الموقع الجغرافي الاستراتيجي والبنية التحتية الملائمة.
ويرى الخبير الاقتصادي أن مصر تمثل الخيار الأمثل لهذا الدور، حيث يمكنها أن تتحول إلى منصة إقليمية لتصنيع المنتجات الصينية وإعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية، وهو ما يحقق مكاسب متبادلة للطرفين.
وشدد على أن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في المرحلة الراهنة، يمثل فرصة استراتيجية لكلا الجانبين، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها النظام الاقتصادي العالمي والتغيرات الجذرية في أنماط التجارة الدولية، معتبراً أن الشراكة المصرية الصينية يمكن أن تشكل نموذجاً ناجحاً للتعاون الاقتصادي بين الدول النامية والقوى الاقتصادية الصاعدة، في عالم يتسم بتزايد التنافسية والتحديات التجارية.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى وجود 2800 شركة صينية تعمل في السوق المصري، باستثمارات إجمالية تتجاوز 8 مليارات دولار.
وتتنوع هذه الاستثمارات بين مشروعات كبرى في العاصمة الإدارية الجديدة، منطقة الأعمال المركزية بتكلفة 3.8 مليار دولار، ومشروعات بنية تحتية مثل القطار الكهربائي الرابط بين العاصمة الإدارية والقاهرة الكبرى باستثمارات تصل إلى 1.2 مليار دولار.
وفي قطاع الطاقة، تتعاون مصر مع شركات صينية رائدة لتنفيذ محطة رياح بخليج السويس بطاقة 1100 ميغاواط، بينما تشهد القطاعات الصناعية تحولاً جوهرياً مع بدء تشغيل مصنع سيارات "جيلي" واتفاقية إنشاء مصنع للسيارات الكهربائية مع "بكين أوتوموتيف
غير أن هذه الشراكة تواجه تحديات جدية، يأتي في مقدمتها الخلل الكبير في الميزان التجاري الذي يميل لصالح الصين بشكل كبير، حيث بلغت الصادرات الصينية إلى مصر 13.3 مليار دولار، مقابل صادرات مصرية لا تتجاوز 393 مليون دولار، كما تعاني العلاقات الاقتصادية من معوقات تتعلق بالبيروقراطية وتعقيدات الإجراءات وعدم استقرار بعض التشريعات الضريبية.
لكن، ورغم هذه التحديات، تتمتع مصر بمزايا تنافسية مهمة تجعلها وجهة جاذبة للاستثمارات الصينية، لعل أبرزها موقعها الاستراتيجي الفريد كبوابة بين ثلاث قارات، وامتلاكها شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة، وتوفر قوة عاملة مؤهلة، بالإضافة إلى إمكانية إجراء المعاملات المالية باليوان الصيني، وهو ما يمثل حافزاً كبيراً للشركات الصينية.