القوات الجوية الأمريكية بين أزمة ظاهرية وتحول استراتيجي نحو الجيل السادس
صورة - م.ع.ن
رغم ما يبدو ظاهريا أن القوات الجوية الأمريكية تمر بأزمة، في ظل أساطيل متقادمة يتجاوز متوسط عمرها 25 إلى 30 عاما، وقيود مالية متزايدة، إلا أن تقارير عسكرية تؤكد أن ما يجري ليس انحدارا، بل انتقال تدريجي نحو جيل جديد من القوة الجوية يقوم على التكامل الشبكي والذكاء الاصطناعي.
وذكر تقرير صادر عن موقع "ناشيونال سكيورتي جورنال" أن سلاح الجو الأمريكي يواجه حاليا تراجعاً في معدلات الجاهزية وساعات الطيران، وتأخيرات في تسليم الطائرات الحديثة، بينما تتوقع القيادة الحاجة إلى 1500 مقاتلة بحلول عام 2035، في حين لن يتجاوز العدد الفعلي 1200 طائرة خلال العقد المقبل، نتيجة ضعف القاعدة الصناعية بعد عقود من عمليات الدمج.
لكن التقرير يوضح أن هذه الأعراض تمثل "آلام نمو" لتحول تاريخي من نموذج القوة الصناعية المعتمد على التفوق العددي والمأهول، إلى قوة هجينة من الجيل السادس مصممة للتعامل مع بيئة تنافسية جديدة بين القوى العظمى، خصوصا الصين وروسيا.
المحور الرئيس في هذا التحول هو نظرية جديدة للقوة الجوية تركز على بناء "نظم بيئية قتالية" مترابطة بدلا من مجرد تعداد الطائرات.
فبرنامج الهيمنة الجوية للجيل القادم (NGAD) يمثل القلب المأهول لهذه المنظومة، مدعوما بطائرة القاذفة الشبحية B-21 Raider، وطائرات القتال التعاونية (CCAs)، والطائرات المسيرة شبه الذاتية المخصصة للاستطلاع، والتشويش، والهجوم الإلكتروني، وتحويل الطاقة.
هذه المنظومة تحول التفوق من العدد إلى المزامنة الشبكية، حيث تقود طائرة واحدة من الجيل السادس عشرات الطائرات المسيرة عبر بنية بيانات موحدة، مما يضاعف المدى والقدرة الهجومية والبقاء في الميدان، بتكلفة أقل ودون الحاجة لمزيد من الطيارين.
ويصف التقرير هذا التحول بأنه إعادة تعريف لمفهوم الهيمنة الجوية، إذ لم تعد السرعة أو الارتفاع كافيين، بل يعتمد النجاح على معادلة: "الإحساس أولا، القرار أولا، الفعل أولا"، من خلال الدمج بين الذكاء الاصطناعي، والتخفي، والاستقلالية، والعمليات الموزعة ضمن شبكة متعددة الطبقات.
يرى التقرير أن التراجع الحالي في القدرات الجوية الأمريكية ناتج عن استراتيجية "التخلي عن الاستثمار" المثيرة للجدل، والتي تقوم على سحب المنصات القديمة مثل طائرة A-10، لإعادة توجيه التمويل نحو مشاريع الجيل السادس، مثل NGAD وF-35A والطائرات القتالية التعاونية.
ورغم أن هذا التوجه يحدث فجوة مؤقتة في الجاهزية، مع ارتفاع تكاليف صيانة الأسطول القديم مقارنة بذروة الحرب الباردة، فإنه يمثل إعادة توازن استراتيجية لتفكيك هيكل صمم لحروب الأمس، تمهيدا لبناء هيكل جديد يواجه تهديدات المستقبل.
ويشير التقرير إلى أن كل حقبة شهدت مثل هذا الانتقال، من الطائرات المروحية إلى النفاثة، ومن القاذفات إلى المقاتلات، ومن التكنولوجيا التناظرية إلى الشبحية، لكن الفرق اليوم هو السرعة والتعقيد الجيوسياسي اللذان يوجهان هذا التحول.
انتهت مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي كانت التفوق التكنولوجي الأمريكي فيها يضمن النصر، إذ باتت كل من الصين وروسيا تمتلكان مقاتلات من الجيل الخامس، وصواريخ أسرع من الصوت، وأنظمة حرمان وصول (A2/AD) تهدد الهيمنة الأمريكية.
وفي مواجهة ذلك، لا تسعى واشنطن إلى إعادة بناء الماضي، بل إلى القفز نحو المستقبل، بتطوير منظومات تجعل التفوق قائما على الوعي المعلوماتي وسرعة القرار، لا مجرد القوة النارية.
ويخلص التقرير إلى أن القيود المالية والتنافس بين فروع القوات المسلحة تظل تحديا قائما، إلا أن التغيير الحقيقي يكمن في إعادة تعريف مفهوم القوة الجوية الأمريكية نفسها، مؤكدا أن السباق الآن هو لإنجاز التحول قبل الآخرين.