أمريكا الوسطى والكاريبي عام التحولات السياسية والانتخابية الحاسمة


أمريكا الوسطى والكاريبي عام التحولات السياسية والانتخابية الحاسمة
أفريكا فور بريس - هيئة التحرير

      كانت سنة 2024 مليئة بالأحداث التي أظهرت عدة تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية في أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي، لعل أبرزها استحقاقات انتخابية حاسمة برهانات كبيرة، واستمرار اضطرابات وأزمات في العديد من دول المنطقة.

ففي السنة، تداخلت التحولات الديمقراطية الهامة مع أزمات متفاقمة، جعلت الخيارات السياسية رهينة بقدرة الدول على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

ففي بنما، شكل فوز خوسيه راؤول مولينو بالانتخابات الرئاسية، التي نظمت يوم 5 ماي الماضي، حالة استثنائية كانت جديرة بالمتابعة، لا سيما وأنه عوض الرئيس السابق المحافظ، الذي استبعد من السباق الانتخابي بسبب ملاحقات قضائية، وحقق الفوز بفارق مريح عن أبرز منافسيه.

وجاء الفوز عقب "صيف ساخن" على وقع احتجاجات ضد قانون للتعدين صادق عليه البرلمان، ورفضته النقابات العمالية، بالإضافة إلى تفاقم إشكالية الهجرة غير النظامية في البلاد، المعبر المفصلي في مسار الهجرة بين الأمريكيتين، وأيضا تأثيرات الجفاف المتنامية على قناة بنما، أحد أهم منافذ التجارة العالمية.

وفي غواتيمالا، انتقلت السلطة إلى الرئيس برناردو أريفالو، في يناير الماضي، لكن التحديات المؤسسية ما تزال تعرقل أي تقدم ملموس يقوده الرئيس الحالي، في محاربة الفساد الذي يستنزف موارد البلاد.

وجاء التنصيب الرسمي لأريفالو عقب محاولات حثيثة لعكس نتائج الانتخابات، قادتها المدعية العامة ومعارضين للرئيس المنتخب، الذي حصل على قرابة 60 بالمائة من الأصوات أمام منافسته ساندرا توريس، زوجة الرئيس السابق ألفارو كولوم.

أما في السلفادور، فقد شكلت إعادة انتخاب الرئيس، نجيب بوكيلي، عن حزب "الأفكار الجديدة"، للمرة الثانية تواليا، الحدث السياسي الأبرز، خلال سنة 2024، رغم الحظر الدستوري وانتقادات خارجية.

لكن سياسة بوكيلي في مواجهة عنف العصابات الإجرامية، بالإضافة إلى "الاستراتيجية الطموحة"، حسب المراقبين، لتطوير العملات الرقمية في البلاد، كانت عنصرا حاسما يوم الاقتراع الذي فاز فيه بأكثر من 60 بالمائة من الأصوات.

وفي هندوراس، ظل المشهد السياسي أكثر هدوءا من دول أخرى بالمنطقة، في ظل حكم الرئيسة زيومارا كاسترو، أول رئيسة من خارج نظام الحزبين، منذ استعادة الديمقراطية في البلاد سنة 1982.

لكن القضايا المتعلقة بالفقر والهجرة والفساد السياسي لا تزال تمثل عقبات كبرى أمام تحقيق استقرار دائم في هذا البلد، الذي يعتبر من أكثر البلدان المصدرة للهجرة غير النظامية في القارة الأمريكية.

   ومنطقة الكاريبي.. كوارث الطبيعة تفاقم مشاكل السياسة والاقتصاد:

ولم تكن التحديات السياسية هي الأبرز في دول الكاريبي، حيث واجهت المنطقة عاما كارثيا بفعل تغير المناخ والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية التي خلفت أضرارا جسيمة على اقتصادات تعتمد بشكل كبير على السياحة.

ففي هايتي، ما فتئت الأزمات تتفاقم مع تنامي عنف العصابات الإجرامية التي تسيطر على مناطق شاسعة في البلاد، وتقوض التنمية الاجتماعية والاقتصادية على نطاق واسع.

وعينت هايتي مجلسها الانتقالي، بعد مخاض سياسي عسير وصراعات محتدمة بين الشرطة والعصابات الإجرامية، لكنها لم تفلح في الخروج من أزمة عميقة دفعت مئات الآلاف إلى النزوح داخليا، والآلاف إلى خوض مغامرة الهجرة غير القانونية صوب الولايات المتحدة الأمريكية.

وإلى جانب الأزمة الأمنية، عانت الجزيرة الكاريبية من "غضب الطبيعة"، فبين الأعاصير والزلازل وموجات الجفاف الحاد، تتزايد معاناة البلاد الأكثر فقرا وهشاشة في القارة الأمريكية.

وفي كوبا، يضاف عام جديد إلى أعوام متتالية من الأزمات الخانقة على البلد الكاريبي: بين تدهور الاقتصاد وكوارث الطبيعة وأزمة الطاقة، ويسعى آلاف الكوبيين إلى مغادرة البلاد على نحو متزايد.

وقد كان الانقطاع المتكرر، وغير المبرر، والشامل أحيانا، للتيار الكهربائي، العنوان الأبرز في سنة 2024، إذ لا تقتصر المشكلة على توليد الطاقة فحسب، بل تؤثر على أغلب مناحي الحياة اليومية وتقوض التنمية متعددة الأبعاد.

بدورها، شهدت جمهورية الدومينيكان انتخابات رئاسية، أعاد خلالها الناخبون تجديد الثقة في الرئيس لويس أبي نادر، وأيضا تأييد سياساته الاقتصادية وحزمه حيال ملف الهجرة غير النظامية.

وتعهد الرئيس، الذي تولى مهامه رسميا في غشت الماضي، بـ"صد" تدفقات الهجرة من هايتي المجاورة، رغم الضغوط الدولية المتزايدة لاستقبال المزيد من اللاجئين في القارة الأمريكية.

وبين إشكالية الهجرة غير النظامية والكوارث الطبيعية وعنف العصابات، كانت سنة 2024 بمثابة "مرآة عاكسة" للواقع المضطرب في أمريكا الوسطى والكاريبي، حيث أظهرت الانتخابات أن الديمقراطية لا تزال خيارا صعب المنال في بعض الدول، حيث يتطلب التغيير السياسي القدرة على مواجهة شبكات الفساد والجريمة المنظمة، وفي الوقت نفسه، أظهرت الكوارث المناخية هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول، كما أبانت دول أخرى قدرتها على الصمود أمام كل هذه التحديات والرغبة في تعزيز التنمية متعددة الأبعاد.

اترك تعليقاً